الإعلام الإنجليزي: كيف يصنع خصمًا دائمًا لمصر… ويتغاضى عن جرائم حلفائه
نظرة تحليلية في ازدواجية الخطاب وخرائط المصالح
في عالم الإعلام، تُفترض الحيادية والمهنية. لكن حين يتعلق الأمر بمصر، يختفي هذا المعيار من العديد من المنصات الغربية الكبرى، وعلى رأسها الإعلام الإنجليزي.
فما إن تقع حادثة داخلية، أو حتى شائعة، إلا وتتلقفها بعض الصحف البريطانية وكأنها فرصة لتأكيد تصور جاهز عن دولة تسعى فقط "للقمع والسيطرة".
لكن، هل هذه تغطية نقدية عادلة؟ أم أن خلفها أجندة استعمارية قديمة في ثوب جديد؟
وما سر هذا التجاهل الممنهج لجرائم إسرائيل، والتوسّع الاستعماري الصريح، مقارنةً بالحملات المتكررة ضد مصر؟
أولًا: مصر في مرمى الإعلام البريطاني… بلا انقطاع
منذ سقوط جماعة الإخوان في 2013، تحول خطاب الإعلام الإنجليزي – وخاصة BBC وThe Guardian – إلى نمط متكرر:
تسليط الضوء على أي انتهاك حقيقي أو مزعوم، وتضخيمه خارج سياقه.
تجاهل التحولات الاقتصادية أو مشروعات البنية التحتية الكبرى.
الاعتماد على مصادر "مجهولة" أو منظمات مرتبطة بالجماعة، دون تحقيق ميداني متوازن.
هذا لا يعني إنكار وجود أخطاء داخلية.
لكن التغطية تصبح أداة تأطير سياسي، لا نقل خبر، حين تُصاغ دائمًا بزاوية واحدة، وتحجب تطورات كبرى تعارض السردية المعدة مسبقًا.
مثال: تجاهل BBC شبه التام لمشاركة ملايين المصريين في الانتخابات، مقابل التركيز على مقاطعات محدودة تُقدَّم على أنها "الوجه الحقيقي للمشهد".
ثانيًا: الوجه الآخر… صمت مطبق تجاه إسرائيل
على النقيض تمامًا، نرى الإعلام الإنجليزي يتعامل مع انتهاكات إسرائيل كحالة شديدة الحساسية:
لا تُستخدم كلمة "احتلال"، بل "نزاع".
لا يُقال "قتل أطفال في غزة"، بل "اندلاع اشتباكات".
لا تُوصف عمليات التهجير في القدس بـ"جريمة"، بل "خطط إسكانية مثيرة للجدل".
والأخطر، أن جرائم حرب موثقة لا تُشكل مانشيتًا رئيسيًا، بل توضع أحيانًا في هامش التغطية.
أمثلة موثقة:
تقرير Human Rights Watch بعنوان: "A Threshold Crossed"، وصف سياسات إسرائيل بأنها "جرائم ضد الإنسانية".
HRW Report – 2021
تقرير Amnesty International يؤكد أن إسرائيل تمارس نظام فصل عنصري ممنهج.
Amnesty Report – 2022
تحليلات نقدية لـBBC تتهمها بتخفيف خطابها تجاه إسرائيل، في تغطية الحرب على غزة.
Middle East Eye وAl Jazeera Media Watch
ثالثًا: ازدواجية المصطلحات… والعدسة الاستعمارية
اللغة ليست محايدة. فعندما تُستخدم كلمات مثل:
"قمع وحشي" في وصف مواجهة داخلية في مصر،
مقابل
"رد أمني حاد" في وصف استهداف مدنيين في فلسطين…
فأنت لا تنقل الحقيقة، بل تصنعها.
ازدواجية المصطلحات هذه تكشف أن الإعلام الإنجليزي لا يزال، في حالات كثيرة، أسيرًا لنظرة استعمارية قديمة: مصر كدولة يجب أن تظل تحت المراقبة، بينما يُمنح "حليفهم العسكري" حصانة معنوية كاملة.
الخلاصة: كشف الوجه… وتحذير من الاستمرار في التجمُّل
ما يمارسه الإعلام الإنجليزي ليس "نقدًا حرًا"، بل تأطيرًا سياسيًا مدروسًا.
مصر تُصوَّر كدولة بوليسية دائمًا.
إسرائيل تُقدَّم كضحية مُحاصَرة تدافع عن نفسها.
إن التكرار، والانتقائية، واللغة، وعدم التوازن، كلها أدوات في معركة أكبر من مجرد صحافة.
والمتلقي الذكي – عربيًا وغربيًا – بدأ يدرك أن خلف هذه الشاشات العريقة، أجهزة ناعمة تخوض حروبًا قديمة بأدوات جديدة.
🔍 أبرز المراجع:
Human Rights Watch – A Threshold Crossed
Amnesty International – Israel's Apartheid
Al Jazeera – Media Bias in Western Coverage
Middle East Eye – Western Media and the Israel-Palestine Narrative
FAIR.org – Language and Framing in Coverage of Israel
وثائق نقدية لأداء BBC في الشرق الأوسط (متوفرة عبر أرشيف The Guardian)
Comments
Post a Comment