تقرير استراتيجي: مصر، قانون كاتسا، وتكلفة فقدان النفوذ الأميركي
يتناول هذا التقرير التداعيات الاستراتيجية في حال قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات كاتسا على مصر. صحيح أن العقوبات قد تُعطِّل جزئياً بعض مشتريات القاهرة من السلاح، لكن الكلفة الحقيقية ستكون على حساب النفوذ الأميركي نفسه. فمصر تمثل ساحة اختبار واقعية للأسلحة، من المنظومات السوفيتية التي قلبت موازين حرب أكتوبر 1973، مروراً بالرافال الفرنسية التي اكتسبت سمعتها بفضل مصر، وصولاً إلى المنظومات الروسية والصينية الحديثة.
في المقابل، الدعم غير المشروط لإسرائيل دون توازن مع القاهرة يهدد بخسارة واشنطن موقعها كلاعب مركزي في المنطقة، ويمنح روسيا وفرنسا والصين مساحة أكبر للتغلغل.
---
1. خلفية: قانون كاتسا وتطبيقاته
صدر القانون عام 2017 لمواجهة التعامل مع قطاع الدفاع الروسي.
يتيح فرض عقوبات واسعة: من القيود على التحويلات المالية إلى منع التصدير.
تجارب سابقة (تركيا، الصين) أظهرت أن الردع محدود، والدول الكبرى تواصل تنويع مصادر سلاحها.
مصر بدورها لم تتراجع عن صفقاتها مع روسيا رغم التهديدات الأميركية.
---
2. الشراكة المصرية–الأميركية
المساعدات العسكرية: 1.3 مليار دولار سنوياً عبر برنامج التمويل العسكري الأجنبي (FMF).
قناة السويس: ممر يمر منه 12–15% من تجارة العالم، وركيزة لوجستية للبحرية الأميركية.
الأمن الإقليمي: دور محوري في مكافحة الإرهاب بسيناء، وفي الوساطة بغزة وليبيا والسودان.
---
3. مصر كـ"مختبر عالمي للأسلحة"
حرب أكتوبر 1973: الدفاع الجوي المصري (سام–6، سام–7) أسقط أسطورة التفوق الجوي الإسرائيلي وأجبر واشنطن على إعادة تقييم عقيدتها العسكرية.
الرافال الفرنسية: قبل شراء مصر عام 2015، فشل الطائرة في إيجاد مشترين. دخولها الخدمة المصرية فتح الطريق لصفقات مع الهند وقطر واليونان.
الأسلحة الأميركية: دبابات أبرامز، مقاتلات إف-16، ومنظومات أخرى اكتسبت مصداقية عملياتية في بيئة مصرية شديدة التنوع (صحراوية–مدنية–بحرية).
التجارب التاريخية: من مدافع "سندر" البريطانية إلى المدرعات السوفيتية، مصر أعطت السلاح قيمته الحقيقية بفضل خبرة المقاتل وظروف القتال.
---
4. مقارنة: مصر مقابل إسرائيل
إسرائيل: شريك أساسي لكن بيئتها القتالية محدودة من حيث تنوع الجبهات والتجارب الميدانية.
مصر: تقدم بيئة متنوعة (صحارى، مدن، بحار)، مع إرث حروب كبرى، ما يجعلها معياراً لقياس جدوى أي منظومة سلاح في أعين المشترين الدوليين.
---
5. مخاطر فرض عقوبات كاتسا على مصر
1. خسارة سوق سلاح ضخم وتحويله إلى روسيا وفرنسا والصين.
2. تراجع النفوذ الأميركي في شمال أفريقيا والشرق المتوسط.
3. تهديد انسياب مرور القوات الأميركية عبر قناة السويس.
4. إضعاف التعاون الأمني في ملفات حيوية: الإرهاب، غزة، السودان، ليبيا.
---
6. بدائل السياسة الأميركية
الانخراط الانتقائي: ربط جزء من المساعدات بشروط محددة دون تصعيد شامل.
إعادة التوازن الدبلوماسي: الحفاظ على دور مصر كشريك لا كمجرّد متلقٍ للمساعدات.
استثمار الدور المصري: إشراك القاهرة في برامج التدريب، الدفاع الجوي، والابتكار العسكري.
---
7. السيناريوهات المحتملة
السيناريو الإجراء الأميركي رد الفعل المصري النتيجة الاستراتيجية
الوضع القائم ضغط محدود + استمرار المساعدات اعتماد جزئي على أميركا مع تنويع محدود احتفاظ واشنطن بالنفوذ
فرض عقوبات شاملة تطبيق كامل لكاتسا تسريع التنويع نحو روسيا/فرنسا/الصين خسارة واشنطن للسوق والنفوذ
عقوبات جزئية حجب جزء من المساعدات تعديل جزئي دون كسر التحالف بقاء النفوذ مع رسالة ردع
توسيع التعاون تحديث وتسليح مشترك تعزيز الثقة وتقليص الدور الروسي تعزيز النفوذ الأميركي
---
الخاتمة والتوصيات
مصر ليست مجرد متلقٍ للسلاح، بل "مضاعِف استراتيجي" للولايات المتحدة.
فرض عقوبات كاتسا لن يعاقب القاهرة بقدر ما سيعاقب واشنطن نفسها، عبر فقدان مختبر عالمي لتجربة السلاح، وخسارة ممرات استراتيجية، وتراجع النفوذ أمام روسيا والصين.
الحل يكمن في الانخراط الذكي: الحفاظ على الشراكة مع القاهرة، مع موازنة الدعم لإسرائيل، بما يضمن استمرار النفوذ الأميركي دون دفع المنطقة نحو بدائل جيوسياسية خطيرة.
Comments
Post a Comment