عقيدة الردع المصرية: معنى الـ100 كيلومتر بين الرسالة والقوة

تصريح د. ضياء رشوان، رئيس هيئة الاستعلامات، بأن "المسافة من رفح 100 كيلومتر" لم يكن توصيفًا جغرافيًا عابرًا، بل رسالة محسوبة على الدولة المصرية. الرسالة هنا ليست تهديدًا مباشرًا، لكنها تعكس منطق الردع المصري: إعلام يلمّح، دبلوماسية تؤمّن الشرعية، وقدرة عسكرية تجعل الكلمات واقعًا ملموسًا.



---


أكتوبر 1973.. التذكير المستمر


في حرب أكتوبر، اعتمدت مصر على المدفعية لفتح الطريق أمام قواتها. خلال العبور، أطلقت أكثر من ألفي قطعة مدفعية قصفًا تمهيديًا استمر 53 دقيقة، وهو من الأعنف في تاريخ المنطقة (مصدر: International Institute for Strategic Studies, 2013). هذه النيران مهّدت لاختراق خط بارليف، ورافقتها مظلة دفاع جوي عطّلت سلاح الجو الإسرائيلي في الأيام الأولى.


هذا المزج بين النيران التمهيدية والدفاع الجوي ظل حجر الأساس في العقيدة العسكرية المصرية حتى اليوم.



---


التطور النوعي.. حين يصبح 100 كم مدى عمليًا


اليوم، "100 كيلومتر" لم تعد مجرد رقم على الخريطة:


مصر تمتلك المدفعية الكورية K9 Thunder بمدى يصل إلى 54–70 كم حسب نوع الذخيرة (مصدر: Defense News, 2022).


تمتلك راجمات صواريخ متعددة (MLRS) قادرة على ضرب أهداف تتجاوز 300 كم (مصدر: RAND Corporation, 2020).


منظومة دفاع جوي متعددة الطبقات (S-300VM، بوك، تور) تحمي منصات الإطلاق من أي استهداف مضاد (مصدر: CSIS Missile Defense Project, 2021).


سلاح الجو المصري الحديث (رافال، F-16 بلوك 52، ميج-29) يوسع خيارات الرد إلى عمق أبعد (مصدر: World Air Forces Report, FlightGlobal 2023).



بالتالي، المسافة التي تحدث عنها رشوان تقع في قلب قدرات مصر النيرانية.



---


نقطة الضعف العالمية.. الدفاع الجوي لا يوقف المدفعية


رغم تطور أنظمة الدفاع الجوي عالميًا، هناك ثغرة يعترف بها الخبراء:


الدفاع الجوي صُمم لمواجهة الطائرات والصواريخ، لا القذائف قصيرة المدى.


قذائف المدفعية صغيرة وسريعة وزمن طيرانها قصير جدًا.


عند استخدام تكتيك الإغراق النيراني، تصبح القدرة على اعتراضها شبه معدومة، حتى لدى أنظمة مثل القبة الحديدية أو C-RAM (مصدر: RAND, 2019).



هنا تكمن قوة المدفعية: القذيفة لا تُوقف بعد الإطلاق، بل فقط تُخفّف آثارها.



---


القراءة الإقليمية للرسالة


إسرائيل: تدرك أن أي محاولة للضغط على مصر من الحدود مكشوفة للنيران، وأن الرد قد يمتد إلى العمق.


غزة: الرسالة مزدوجة — مصر لن تسمح بتهديد أمنها القومي، وفي الوقت نفسه متمسكة بدورها الإنساني.


العالم العربي: التصريح يعكس ثقل مؤسسات الدولة المصرية؛ الكلمة محسوبة، والقدرة موجودة، والقرار سيادي لكنه يراعي الشرعية الدولية.




---


الخاتمة


من أكتوبر 1973 إلى 2025، ظلت المعادلة ثابتة: المدفعية المصرية ورقة ردع لا يمكن تحييدها، والدولة المصرية توصل رسائلها بذكاء عبر مؤسساتها، بحيث تكون الكلمة محسوبة مثلما الطلقة محسوبة.



---


📌 المصادر:


International Institute for Strategic Studies (IISS), The Military Balance, 2013.


Defense News, “Egypt Receives First Batch of K9 Thunder Howitzers,” 2022.


RAND Corporation, The Future of Long-Range Fires, 2020.


CSIS Missile Defense Project, Egypt’s Integrated Air Defense, 2021.


FlightGlobal, World Air Forces Report, 2023.


RAND, Counter-Rocket, Artillery, and Mortar Systems, 2019.

<hr style="border: 0; height: 1px; background: #ccc; margin: 30px 0;">

<p style="text-align: center; font-size: 14px; font-style: italic; color: #555;">

— Silent Egypt Observer —


Comments